«كورونا المستجد» ومضاعفاته على القلب
عادةً ما تظهر على المرضى المصابين بمرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) أعراض وعلامات عدوى في الجهاز التنفسي، ولكن هناك علامات أخرى على نفس الدرجة من الأهمية وهي العلامات القلبية، بما في ذلك علامات إصابة عضلة القلب، وهي شائعة.
وتشير التقارير الصادرة من المستشفيات إلى أن ما يقرب من ربع أولئك الذين تم نقلهم إلى المستشفيات من المصابين بهذا المرض، تم تشخيصهم بمضاعفات في القلب والأوعية الدموية، والتي ثبت أنها تسهم فيما يقرب من 40 في المائة من جميع الوفيات المرتبطة بهذا المرض المستجد.
إصابة عضلة القلب
• ما هي علاقة «كوفيد - 19» بأمراض القلب؟ وكيف يتم تشخيصها وإدارة علاجها؟ أجاب على تساؤلاتنا وكل ما يتعلق بصحة القلب عند مرضى «كورونا» الدكتور محمد إسماعيل الخراساني استشاري أمراض القلب بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر السنوي لطوارئ القلب – وأفاد أن القلب قد يتأثر في بعض المرضى خصوصاً لدى الأفراد الذين تم تشخيصهم سلفا بمرض تصلب الشرايين الوعائية (التاجية)، أو حتى بدون هذا التشخيص.
والدليل على إصابة عضلة القلب بهذا المرض مباشرة، هو ارتفاع مستوى بروتينات تسمى التروبونين troponin، وهو شائع بين المرضى الذين تمت إصابتهم وأدخلوا المستشفيات للتنويم. وهناك أسباب أخرى تؤدي لاعتلال عضلة القلب كالإجهاد المرضي، ونقص الأكسجين، وحدوث متلازمة الاستجابة الالتهابية ما يسمى بعاصفة السيتوكين «cytokine storm». وهناك أقلية من هؤلاء المرضى الذين لديهم ارتفاع مستوى التروبونين تظهر عليهم أعراض وعلامات توحي بالإصابة الحادة للشرايين التاجية لعضلة القلب والتي تؤدي لاعتلالها وضعفها.
وحتى يتوفر المزيد من قاعدة البيانات مع أعداد أكبر من المرضى، يعتبر جميع المرضى الذين لديهم تاريخ من الأمراض القلبية الوعائية وفشل القلب الاحتقاني ومرض اعتلال الصمامات أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري إلى جانب كبر السن، معرضين لخطر الإصابة بهذا الفيروس أكثر من غيرهم ممن ليس لديهم هذه الأمراض المزمنة.
• محاذير لمرضى القلب. يقول الدكتور خراساني، في الوقت الحالي، لا توجد تدابير محددة بناءً على تصنيف المخاطر، لكننا ننصح جميع المرضى الذين يعانون من عوامل الخطورة المذكورة سلفا بتوخي الحذر بشكل خاص فيما يتعلق بإجراءات الصحة العامة للتباعد الاجتماعي حتى مع أفراد الأسرة المقربين لتجنيبهم المرض الأكثر خطورة والذي يزيد من خطر الإصابة بتدهور وضعف عضلة القلب الحاد، لذلك فإنه ينصح بإجراء تقييم سريري مبكر لأي أعراض مشتبه بها.
وإضافة إلى ذلك، فإن المرضى الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم والسمنة ومرض السكري معرضون أيضاً وبشكل متزايد لخطر سوء التشخيص بمرض فيروس كورونا المستجد.
وبالتالي، فهناك نطاق واسع لانتشار أمراض القلب التاجية بين المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بـهذا الفيروس، وقد تم الإبلاغ عن معدلات تتراوح بين 4.2 و25 في المائة، ومعظم هذه الحالات المدروسة كانت في الصين ونشرت في المجلات العلمية ومنها جاما لأمراض القلب (JAMA Cardiol. 2020;5(7):831)، لانسيت (Lancet. 2020;395(10229):1054. Epub 2020 Mar 11)، والمجلة الطبية البريطانية (BMJ. 2020;368:m1091. Epub 2020 Mar 26). كما كانت نسبة أمراض القلب أعلى بين المرضى الذين تم إدخالهم إلى وحدات العناية المركزة أو الذين ماتوا.
أما إصابة عضلة القلب، وهي الحالة التي تنعكس من الارتفاع في مستويات التروبونين القلبي، فإنها تتغير بين المرضى المنومين والمصابين بهذا الفيروس، مع نسب تتراوح ما بين 7 إلى 28 في المائة. وتم نشر نتائجها في المجلات العلمية السابقة وأيضاً في مجلة الدورة الدموية (Circulation. 2020;141(20):1648. Epub 2020 Mar 21) ونيو إنغلاند (N Engl J Med. 2020;382(21):2012. Epub 2020 Mar 30) ومجلة أمراض القلب والأوعية (Prog Cardiovasc Dis. 2020;63(3):390. Epub 2020 Mar 10).
آلية تأثيرات الفيروس
من المحتمل أن يؤثر مرض كوفيد - 19 بشكل مباشر وغير مباشر على نظام القلب والأوعية الدموية والقلب بشكل خاص. وتم تحديد الآليات المحتملة لإصابة القلب والأوعية الدموية وتشمل الإصابة المباشرة لعضلة القلب نتيجة لاختلال الدورة الدموية أو نقص الأكسدة في الدم، والتهاب عضلة القلب، واعتلال عضلة القلب الناتج عن الإجهاد، وخلل الأوعية الدموية الدقيقة أو تجلط الدم بسبب فرط التخثر إذ يتميز المرض الناجم عن فيروس كورونا بفرط تخثر غير مفهوم بشكل كامل. لذلك عند دخول المستشفى، يجب أن يعمل لجميع المرضى المصابين بهذا المرض فحص شامل لمواد التخثر ك PT وaPTT وfibrinogen وD - dimer.
أيضاً، فإن الالتهاب الشديد في الدم وجميع أجهزة الجسم ما يسمى بعاصفة السيتوكين قد تزعزع أيضاً استقرار لويحات أو بطانات الشريان التاجي، إلى جانب أن الالتهاب الرئوي وعدوى الإنفلونزا يزيدان خطر الإصابة بمرض الاحتشاء العضلي الحاد للقلب (الجلطة الحادة) بستة أضعاف.
أما المرضى المصابون بفيروس كورونا وأعراضهم شديدة، مثل أولئك الذين يعانون من ارتفاع في درجة الحرارة أو نقص الأكسدة بسبب أمراض الرئة، فإن أعراضهم تشكل عبئا وجهدا كبيرا على عضلة القلب وشرايينه التاجية، وهذا بدوره قد يؤدي إلى إصابة مماثلة لانسداد الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب واحتشاء (تلف) هذه العضلة وضعفها.
الأمراض وشدة العدوى
وحول علاقة عوامل خطر أمراض القلب بشدة عدوى كورونا، يؤكد الدكتور محمد الخراساني أن الدليل قوي على وجود ارتباط بين عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، كارتفاع ضغط الدم والسكري ومرض تصلب وانسداد الشرايين التاجية السابق، وخطر وشدة عدوى كوفيد - 19. وهناك بعض الأدلة على أن كوفيد - 19 يزيد من خطر الإصابة باحتشاء عضلة القلب الحاد، وسوف نفصله الآن.
• الاحتشاء القلبي. إن ما يهمنا هنا من أنواع الاحتشاء القلبي (الجلطة الحادة) نوعان هما:
- النوع الأول، احتشاء عضلي ناتج عن مشكلة تصلبية في جدران الأوعية الدموية للقلب، وهذا يؤدي إلى التجلط العصيدي الحاد وعادة ما يتم ترسيخه عن طريق تمزق اللويحات المبطنة لهذه الشرايين (تمزق أو تآكل). فإذا كان يعتقد أن هذا النوع هو المسبب لاحتشاء عضلة القلب، فيمكن النظر في العلاجات الأخرى مع الأدوية كالقسطرة القلبية وغيرها من التدخلات.
- النوع الثاني، احتشاء نتيجة لعدم التوافق بين العرض والطلب على الأكسجين. مع عدوى كوفيد - 19، فإن غالبية احتشاء عضلة القلب هي من هذا النوع الثاني وترتبط بالعدوى الأولية، واختلال الدورة الدموية، واضطراب الجهاز التنفسي. وهنا يجب معالجة هذه الاضطرابات الأولية والاختلالات، وفي معظم الحالات يمكن علاج المريض بالأدوية دون التدخل بعمل القسطرة القلبية للشريان التاجي.
إن الغالبية العظمى من المرضى الذين يعانون من أعراض تتوافق مع كوفيد - 19 لن تظهر عليهم أعراض أو علامات مرض الشرايين التاجية، وقد يعاني المرضى من تسارع في ضربات القلب في حالة ظهور أعراض مرضية أخرى. وبعض المرضى قد يعانون من آلام الصدر، لكن الانتشار الحقيقي وخصائص ألم الصدر بين مرضى كوفيد - 19 غير معروفين.
ومع الأسف، فإن نظام الرعاية الصحية لهذه الفئة أدى إلى تأخير تقديم الرعاية الصحية العاجلة لهم وخاصةً المرضى الذين يعانون من احتشاء عضلة القلب والتي تحتاج إلى مسيلات لإذابة الجلطات أو قسطرة عاجلة. وقد تكون النتائج سيئة نتيجة هذا التأخير.
وبالتالي فإن النهج في احتشاء عضلة القلب يكون كالتالي:
- إذا لم يكن المريض مصاباً بمرض خطير، فالمحاولة تتم لإزالة الخثرات وإعادة ضخ الدم في الشرايين التاجية بإجراء قسطرة قلبية علاجية بدلاً من إعطاء مذيب الجلطات في معظم الحالات، على غرار المرضى غير المصابين بكوفيد 19.
- إعطاء مذيبات الجلطات للمرضى المؤهلين، مع مراعاة الموارد المحلية المتاحة والقدرة على حماية الكادر الطبي وغيرهم من العدوى. وفي جميع الأحوال يجب استخدام معدات الحماية الشخصية لجميع الموظفين.
- ومع ذلك، فمن المهم النظر في الأسباب البديلة لإصابة عضلة القلب غير التخثرات للشرايين التاجية مثل الإجهاد من شدة عبء المرض [تاكوتسوبو] المسبب لاعتلال عضلة القلب أو التهاب عضلة القلب بالفيروس نفسه.
قد يحدث ضعف أداء عضلة القلب بعد 4 أشهر من الإصابة. بناء على الدراسة التي نشرت في المجلة الأوروبية لفشل القلب الاحتقاني والتي أجريت على ٧٠ مريضاً في ٢٠ أغسطس ٢٠٢١.
• اضطراب النظم القلبي. بالنسبة لأعراض اضطراب النظم القلبي (التسارع أو الخفقان) فإن أكثر أنواع عدم انتظام ضربات القلب شيوعاً هي تسارع القلب الجيبي، يليها اضطرابات مرضية مثل الرجفان (الرفرفة) الأذيني، أو تسارع القلب البطيني أحادي الشكل أو متعدد الأشكال.
إن الغالبية العظمى من المرضى الذين يعانون من أعراض كوفيد - 19 لن تظهر عليهم أعراض أو علامات لاضطراب نظم القلب أو خلل في نظام التوصيل الكهربائي بين الأذينين والبطينين، ومع ذلك، فإن المرضى الذين يمكن رؤية عدم انتظام ضربات القلب لديهم يشملون المرضى الذين يعانون من إصابة عضلة القلب، ونقص تروية عضلة القلب، ونقص الأكسدة، وهبوط الدورة الدموية.
ولذا فإن جميع المرضى الذين يشتبه في إصابتهم بـكوفيد - 19 يعمل لهم تخطيط كهربائي أساسي للقلب (ECG) في وقت الدخول إلى المنشأة الصحية وأيضاً المراقبة لنظم القلب عن بعد.
إن علاج مضاعفات القلب مع فيروس كورونا المستجد لا يختلف عن العلاج الأساسي لمرضى القلب غير المصابين بكوفيد - 19.
كما أنه يجب تقديم الإنعاش القلبي للمرضى المصابين بكوفيد - 19 في حال الرجفان البطيني القاتل أو توقف القلب بالطريقة القياسية كما هو الحال بالنسبة للمرضى غير المصابين بهذا المرض. ومع ذلك، يجب على أي فرد يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المشتبه به أو المؤكد أن يرتدي معدات الحماية الشخصية المناسبة (بما في ذلك الرداء والقفازات وواقي العين وجهاز التنفس الصناعي أو قناع الوجه) قبل دخول الغرفة لعمل الإنعاش.
مضاعفات ما بعد الإصابة
ينتهي الأمر بالكثير من المرضى بالشعور بالإرهاق لفترة من الوقت، فلا يمكنهم الوصول إلى مستوى الجهد الذي كانوا عليه من قبل. لكن من الصعب معرفة ما إذا كانت الرئتان تستغرقان وقتاً أطول للشفاء أو ما إذا كانت المشكلة قلبية.
وقد أجريت دراسة لمرضى القلب نشرت في مجلة JAMA في 28 أكتوبر 0تشرين الأول) 2020 كانت نتائجها كالتالي:
- وجد فيها الباحثون خللا في قلوب 78 في المائة من المرضى المتعافين و«التهاب عضلة القلب المستمر» في 60 في المائة منهم، وذلك بالتصوير بالرنين المغناطيسي للقلب خلال الشهرين إلى الثلاثة أشهر من الإصابة. ووجدت نفس الدراسة مستويات عالية من بروتين التروبونين في الدم، وهو مؤشر على تلف القلب، في 76 في المائة من المرضى الذين خضعوا للاختبار، رغم أن وظائف القلب بدا أنها محفوظة بشكل عام ولم يكن معظم المرضى في الدراسة بحاجة إلى دخول المستشفى.
- بالنسبة للمرضى الأصحاء قلبيا الأصغر سناً المصابين بـكوفيد - 19 الخفيف والذين لا يحتاجون إلى تدخل طبي أو دخول المستشفى، والذين تتحسن حالتهم الصحية بسرعة، فإنهم لا يحتاجون إلى متابعة دورية.
- بالنسبة للمرضى الأكبر سناً أو المرضى الذين يعانون من أمراض مصاحبة (مثل ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري)، والذين يعانون من مرض حاد خفيف إلى متوسط لا يتطلب دخول المستشفى، يتم جدولة متابعتهم باستخدام التطبيب عن بعد أو زيارة شخصية بعد حوالي ثلاثة أسابيع من بداية المرض.
- بالنسبة للمرضى الذين يعانون من مرض كوفيد - 19 الحاد الشديد الذي يتطلب دخول المستشفى، فمن الأفضل المتابعة في غضون أسبوع واحد، أو بحد أقصى في موعد لا يتجاوز أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع بعد الخروج من المستشفى.